مقدمة
من منّا لم يجد نفسه يومًا متأثرًا بمشهد درامي مؤلم أو مبتسمًا لفرح إحدى الشخصيات في مسلسل أو فيلم؟ الدراما ليست مجرّد وسيلة للترفيه، بل هي تجربة إنسانية عميقة تُلامس مشاعرنا وتستحضر فينا عوالم من التعاطف، الحنين، والألم. فما الذّي يجعل الدراما تملك هذه القدرة الهائلة على تحريك عواطفنا؟
1. محاكاة الواقع والعاطفة
الدراما تنجح غالبًا في التّأثير علينا لأنّها تُحاكي الحياة الواقعيّة.
فالشخصياّت والمواقف التي تُقدَّم في الأعمال الدراميّة تشبهنا أو تشبه من نعرفهم، ما يجعلنا نتعاطف معهم بسهولة أو العكس. فعندما نرى أمًّا تبكي على ابنها، أو صديقين يفترقان، نشعر كما لو أننا نحن من نعيش اللّحظة بأنفسنا.
هذا ما يُعرف بـ “التقمص الوجداني” (Emotional Empathy)، وهو قدرة الإنسان على الشّعور بمشاعر الآخرين وكأنّها مشاعره الخاصّة. أو العكس ممكن أن نحقد على شخصيّة ظالمة ومستفزّة تعاطفا مع الشّخصيّات التي أحببناها في العمل الدرامي أو لأنّها تذكّرنا بموقف مع شخص ما قد سبق وتعرّضنا له في الحياة الواقعيّة.
2. تحفيز الهرمونات العاطفية
من الناحية العلميّة، تفعيل المشاعر أثناء مشاهدة الدراما لا يحدث عبثًا.
فعند تأثرنا بمشهد حزين، يُفرز الدماغ هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin) المسؤول عن التعاطف والارتباط الإنساني.
وعندما نعيش لحظات التشويق أو الانتصار، يفرز الجسم الأدرينالين والدوبامين، ما يمنحنا إحساسًا بالإثارة والسعادة.
لهذا السبب قد تُحسّن بعض الأعمال الدرامية المزاج، بينما تُثير أخرى مشاعر الحزن أو القلق. فوفقا لموقع science direct فإنّ دراسة قامت بها Journal of Pediatric Nursing خلصت إلى أنّ جلسات الدراما كانت فعالة في تخفيف الضّائقة العاطفيّة لدى مرضى سرطان الأطفال.
3. الدراما كمرآة للنفس
تُعتبر الدراما مرآة داخليّة تعكس ما نخفيه من مشاعر وتجارب لم نُعبّر عنها من قبل.
قد يُثير مشهد بسيط ذكريات قديمة، أو يُوقظ إحساسًا كنا نظنّ أنّنا تخلّصنا منه.
ولذلك، يستخدم بعض المعالجين النفسيّين أسلوب “العلاج بالدراما” (Drama Therapy) لمساعدة الأفراد على التعبير عن مشاعرهم والتّعامل مع الصّدمات.
4. التأثير الاجتماعي والقيمي
تُسهم الدراما أيضًا في تشكيل نظرتنا إلى القيم والمجتمع.
فعندما تُسلّط الضّوء على قضايا مثل الظّلم، الفقر، أو القضايا والتحدّيات المجتمعيّة الرّاهنة، فهي تُثير نقاشًا داخليًا حول مواقفنا ومعتقداتنا.
بهذا المعنى، لا تقتصر الدراما على تحريك المشاعر، بل تُحفّز التّفكير وتُعيد تشكيل الوعي الجمعي.
5. بين التوازن والتأثير السلبي
رغم أثرها الإيجابي، قد تؤدي الدراما أحيانًا إلى فرط التعلّق العاطفي بالشّخصياّت أو الأحداث، مما يسبّب ما يُعرف بظاهرة “إكتئاب ما بعد إنتهاء المسلسل“ (Post-Series Depression).
لذلك، من المهمّ أن نحافظ على توازننا النّفسي عند متابعة الأعمال الفنيّة، وألّا نغرق تمامًا في عالمها الخيالي على حساب واقعنا الحقيقي.
خاتمة
الدراما ليست مجرّد قصص تُروى، بل هي تجربة إنسانية تُذكّرنا بإنسانيّتنا.
تجعلنا نضحك، نبكي، نحلم، ونفكّر.
وفي النّهاية، يبقى تأثيرها العميق دليلًا على أنّ الفنّ هو لغة القلب التّي يفهمها الجميع، مهما اختلفت الثّقافات أو اللّغات.إقرأ أيضا إكتئاب ما بعد إنتهاء المسلسل: ما هو؟وكيف نتعامل معه؟
